تقنية

تشانغ يمينغ ٣٧ سنه و١٦ مليار دولار

 

نيويورك-شريف عثمان

بعد أن ضرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أسواق العالم وأجبر نسبة كبيرة من سكان الكوكب على البقاء في منازلهم، في محاولة للحد من انتشاره وتجنب ارتفاع حالات الوفاة، لم يجد الملايين من طلبة المدارس والجامعات صديقاً أفضل من تطبيق تيك توك “Tik Tok” الذي ذاع صيته حول العالم مؤخراً، رغم انتشاره في السوق الصينية منذ العام 2016 تحت اسم دويين، قبل إطلاقه للسوق العالمية في ألعام 2017.

وخلال الربع الذي شهد “الإغلاق الكبير” في أغلب بلدان العالم، تم تحميل التطبيق أكثر من 315 مليون مرة، ليتجاوز عدد مرات التحميل منذ إطلاقه أكثر من ملياري مرة، ولترتفع قيمة شركة “بايت دانس” المالكة له، والتي أسسها عالم الكمبيوتر الصيني تشانغ يمينغ في 2011 إلى أكثر من مائة مليار دولار، تصعد بها إلى قمة شركات التكنولوجيا غير المدرجة في البورصة في العالم.

 

ورغم إعلانه السابق عن احتمالات طرح حصة من الشركة للاكتتاب العام، إلا أن تشانغ أكد “عدم وجود ضرورة ملحة لاستعجال هذا الأمر في الوقت الحالي”.

وعلى عكس الشركات الصينية المعروفة بتركيزها على السوق الصينية، اتخذت “بايت دانس” منحى عالمياً، فأصبحت شركة التكنولوجيا الوحيدة في العالم، بخلاف “آبل”، التي يتعامل عليها أكثر من مائة مليون مستخدم في كل من الصين والدول الغربية، بالإضافة إلى تملك غير الصينيين ما يقرب من 80% من قيمتها، ووجود 4 غير صينيين في مجلس إدارتها المكون من 5 أعضاء، ليكون خامسهم تشانغ.
أتم يمينغ عامه السابع والثلاثين قبل أسابيع قليلة، وقدرت مجلة فوربس ثروته مؤخراً بأكثر من 16 مليار دولار، تضعه في المرتبة السادسة بين أغنى أغنياء الصين، مع ميزة إضافية تحسب له، كونه لم يرث دولاراً من أي من أقاربه، وإنما بنى نفسه بنفسه في عالم البرامج والتطبيقات، بعد حصوله على بكالوريوس هندسة الحاسب الآلي من جامعة نانكاي الصينية الحكومية.
أنهى يمينغ دراسته الجامعية في 2005، وفي 2006 تم تعيينه كخامس موظف، وأول مهندس، في موقع السياحة الإلكتروني “كوخون”، ليصبح في العام التالي مباشرةً مديراً فنياً له، وليتركه بعدها بعامين ليلتحق بعملاق برامج الحاسب الآلي العالمي “مايكروسفت”، إلا أن روتين العمل في الشركات الكبيرة لم يكن مناسباً لإطلاق طاقاته ودفعه للاستقالة بعد فترة وجيزة.
بعد ذلك التحق بشركة ناشئة اسمها “فانفو”، إلا أنها ما لبثت أن أفلست في وقتٍ كانت شركة اكسبديا تحاول الاستحواذ فيه على شركة “كوخون” التي بدأ فيها حياته العملية، فتمكن بصلاته السابقة من شراء جزء من أعمالها، خاص بأبحاث العقارات، لينشئ شركته الأولى التي أطلق عليها اسم 99fang.com.

وفي 2012، ومع ملاحظته تحول المستخدمين من أجهزة الحاسب التقليدية إلى الهواتف الذكية، عين يمينغ مديراً للشركة، ليتفرغ لإنشاء “بايت دانس” التي أنتجت تيك توك. وفي سنواتها الأولى، كانت الشركة لا تحصل على كثير من الإيرادات، لكن تشانغ كان يحدث شركاءه في العمل على خطط توسعها وانتشارها عالمياً، ومنافستها لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم.

ولا يدخر الملياردير الشاب جهداً في سبيل الانطلاق نحو العالمية، حيث أمضى أكثر من ثلثي وقته العام الماضي خارج الصين، متجولاً بين مسارح ومتاحف لندن وعواصم أوروبية أخرى، مستمعاً لموسيقى تلك البلدان، ومتابعاً لحركة الشباب في شوارعها واهتماماتهم، وصولاً إلى ما أطلق عليه “فهماً أكثر للسياق”.

 

ويتخذ تشانغ من شركة ألفابيت، الشركة الأم لعملاق محركات البحث غوغل، واستراتيجية النمو لديها، مثلاً يحتذي به، حتى إنه يعلق على حائط مكتبه في بكين صوراً لكتاب رئيسها التنفيذي السابق اريك شميدت المعنون “كيف تعمل غوغل”.

وتخلّى في إدارته للشركة عن التقاليد الصينية المعروفة، فطلب من موظفيه عدم مناداته بـ “الرئيس أو Boss”، واعتاد الاجتماع بكل موظفي الشركة خارج مقراتها مرة كل شهرين على الأقل، ليتكلم معهم عن أهداف كل شهر قادم لكل التطبيقات التي تنتجها الشركة، والتي يصل عددها إلى العشرات!
وتحت تأثير حلمه المعلن بتحدي كبريات شركات التكنولوجيا العالمية، أبلغ موظفيه قبل شهرين أنه سيركز على الانتشار العالمي ودعم المبادرات المهمة، خاصةً ما يتعلق منها بالتعليم. وقال إنه يأمل في تحول “بايت دانس” إلى شركة متكاملة عالمياً، على غرار غوغل وفيسبوك، رغم علمه بالصعوبات التي قد تعوقه عن تحقيق ذلك.
وفي مواجهة نجاحه اللافت، وخوفاً من المد التكنولوجي الصيني في الولايات المتحدة والعالم، وضعت الإدارة الأميركية الشركة الصينية تحت المراقبة الدقيقة، وبدأت التحقيق في استحواذها على شركة Musical.ly، كما منعت بعض الجهات الحكومية في أميركا موظفيها من تحميل واستخدام التطبيق على أجهزتهم، مبررةً ذلك بـ”اعتبارات أمنية”.

وفي حوار مع وكالة رويترز، من غرفته بأحد فنادق نيويورك وباستخدام تقنية “فيديو كول” على واحد من تطبيقات الشركة، أكد يمينغ أن شركته “تلتزم بالمعايير المحلية للدول التي تطرح منتجاتها فيها أكثر مما يتصور البعض”.
ومع الضغوط الأميركية على الشركة الآخذة في التحول إلى عملاق في صناعة سيطر عليها الأميركيون تاريخياً، يحاول حالياً الابتعاد بتيك توك عن أغلب أعمال الشركة في الصين، سعياً لتبرئة ذمتها أمام السلطات التجارية الأميركية المعنية ببيانات المستخدمين، خاصة في ظل انطباع سيئ عن الشركات الصينية، التي ترتبط عادة بعلاقات غير واضحة مع حكومة بلادها.

وقبل أسابيع، أعلنت الشركة عن تدشين “مركز شفافية” في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا الأميركية لطمأنة المسؤولين والرأي العام فيما يخص تعاملها مع بيانات المستخدمين والمحتوى المقدم على منصتها.