رحيمة

ليست كل أنواع السرطان قاتلة

كتب David Ropeik

انتقد البروفسور ديفيد روبيك، وهو أستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية، مروجي الخوف المفرط من مرض السرطان «الكانسرفوبيا»، مؤكدًا أن أولى خطوات علاج السرطان هو علاج الخوف المُفرط من المرض.
وقال روبيك في مستهل مقاله الذي نُشر في مجلة «سايكولوجي توداي»: «يروج هؤلاء المدافعون للحقيقتين المحوريتين اللتين نعلمهما دائمًا عن السرطان: يجب اكتشافه في أقرب وقت ممكن، ليصبح علاجه ممكنًا؛ لأنه بحسب الاعتقاد الثاني دائمًا ما يؤدي السرطان إلى الوفاة».
وتابع: «لم يعد أي من تلك المعتقدات القديمة حقيقيًا الآن، وما هو حقيقي أن تلك المعتقدات تلحق أضرارًا جسيمة. في الواقع هذه المعتقدات تسبب أضرارًا صحية خطيرة كان من الممكن تجنبها – تشمل الموت نفسه – لعشرات الآلاف من الناس. نحن في أمس الحاجة إلى علاقة عاطفية أكثر حداثة مع المرض الذي يخيفنا أكثر من سواه».

السرطان ليس من صنع شركات الأدوية.. أشهر 10 أساطير عن المرض الخبيث

ليست كل أنواع السرطان قاتلة

ليست كل أنواع السرطان مماثلة. ففي حين أن جميعها تتضمن خلايا تنمو دون ضوابط طبيعية، لا تؤدي كلها إلى الوفاة.
وخلال العقود القليلة الماضية تعلمنا أن بعض أنواع السرطان – تشمل الأنواع الشائعة من سرطان الثدي، والبروستاتا، والغدة الدرقية، والرئة – تنمو ببطء شديد (بعضها لا ينمو على الإطلاق) لدرجة أنها لا تسبب أعراضًا أبدًا طوال حياة المريض.
لكن إيماننا بأنه يجب علينا أن نكتشف دائمًا مرض السرطان في أقرب وقت ممكن قد أدى إلى تطوير أدوات فحص جديدة متبصرة يمكنها الآن اكتشاف العديد من أنواع السرطان الدقيقة المبكرة التي لن تسبب أي ضرر، ولكن نظرًا لوجود كلمة «سرطان» في التشخيص، فإننا نستجيب باختيار جميع أنواع الاختبارات والعلاجات التي تسبب ضررًا أكبر من الذي قد يسببه المرض.

ويشير روبيك إلى أن الفحوصات والعلاج المكثف غير اللازمين لتلك الأمراض – التي تخيفنا، ولكنها لا تهددنا – هي مجرد جانب واحد مما أسماه الطبيب الجراح بارني كريل «كانسرفوبيا» (الخوف المفرط من مرض السرطان) في مقال له في مجلة «لايف» عام 1955 بعنوان: «نداء ضد الخوف الأعمى من السرطان». وكتب دكتور كريل: «اليوم، وبناءً على العدد الإجمالي للمرضى، ربما تسبب الخوف من السرطان بمعاناة أكثر من التي يسببها السرطان نفسه».

بالاستعانة ببعض الحسابات المستندة إلى بيانات المعهد الوطني الأمريكي للسرطان وعدد من الصحف الطبية، يوضح روبيك الآتي:

في حين أن التصوير الإشعاعي للثدي (الماموجرافي) أنقذ آلاف الأرواح على مدار 40 عامًا تقريبًا بلا شك، إلا أنه اكتشف أيضًا العديد من أنواع السرطان منخفضة الخطورة. وعلى إثر ذلك توفيت حوالي 800 امرأة إما بسبب المضاعفات الجراحية بعد استئصال الورم، أو استئصال الثدي (أو استئصال الثديين الذي لا يقل خطورة عن استئصال ثدي واحد)، أو استئصال ورم في مرحلة مبكرة من سرطان القنوات الموضعي، والذي لا يسبب أي ضرر في معظم الحالات. ومنذ بدء التصوير الإشعاعي للثدي، عانت 210 ألف امرأة من متلازمة الألم بعد استئصال الثدي على المدى الطويل. وعانت 750 ألف امرأة من الأعراض الجانبية القاسية للعلاج الإشعاعي والكيميائي الذي غالبًا ما يتبع تلك العمليات الجراحية في كثير من الأحيان.

على مدار 25 عامًا من فحص المستضد البروستاتي النوعي (مؤشر التنبؤ بسرطان البروستاتا)، قاد هذا الفحص 565 ألف رجل إلى إجراء عمليات استئصال البروستاتا لإزالة هذا النمو البطيء وغير المهدِد؛ مما أدى إلى وفاة حوالي 1900 شخص بسبب الجراحة، وأصيب حوالي 376 ألف رجل بضعف الانتصاب على المدى الطويل، وعانى حوالي 113 ألف رجل من سلس البول على المدى الطويل، ويعاني حوالي 85 ألف رجل من مشكلة في السيطرة على الأمعاء.

يحدث الشيء ذاته مع سرطان الغدة الدرقية. تُكتشف المزيد من الأنواع التي يعتبر أغلبها غير مهدِد. ويعاني آلاف المصابين من الآثار الجانبية لاستئصال الغدة الدرقية – وهي الغدة التي تساعد على التحكم في عملية الأيض الأساسية، والتي تشمل التعب وزيادة الوزن وتلف الأحبال الصوتية أو شللها وفي حالات نادرة الوفاة – ويضيف روبيك: «يحدث كل ذلك نتيجة لإزالة المرض ذي الاسم المخيف، والذي لم يكن ليضرهم أبدًا».

يحدث ذلك أيضًا مع فحص التصوير المقطعي المحوسب منخفض الجرعة (فحص الكشف عن سرطان الرئة). ربما أنقذ ذلك الفحص ما يصل إلى 6 آلاف شخص خلال السنوات الست الماضية، وهو نجاح هائل، ولكن على الرغم من ذلك يُظهر هذا الفحص أحيانًا أنواع سرطان بطيئة النمو أو لا تنمو لدى المرضى المسنين (يبلغ متوسط عمر مريض سرطان الرئة 65)، والذين يعانون من مشاكل صحية أخرى.

تسببت جراحة استئصال الورم – غير المحتمل أن يُلحق الضرر بمريض أو يتسبب بوفاته – لأولئك المسنين الضعفاء بوفاة ما يقدر بنحو 840 شخصًا، وعانى حوالي 10 آلاف شخص من مشاكل صحية خطيرة مثل السكتات الدماغية، والنوبات القلبية، والالتهابات التي تتطلب علاجًا مكثفًا في المستشفيات.

الخوف أخطر من مرض السرطان

وألمح روبيك أن تلك الأرقام لا تشمل عشرات الملايين الذين خاضوا تجربة مخيفة بسبب نتيجة اختبار «إيجابية زائفة»، والتي بعد المزيد من الفحوصات المتخصصة – مثل فحوصات الخزعة (العينة) – يتبين أنها ليست سرطان، وأنما مجرد شيء مثير للشك رصدته فحوصات الأشعة.

أثبتت الأبحاث النفسية والاجتماعية أن هذه الإنذارات الكاذبة المخيفة تسبب القلق والتوتر على المدى الطويل لواحد من كل خمسة أشخاص. ونتيجةً لهذه «الإيجابيات الزائفة»، هناك عشرات الآلاف يخضعون كل عام للفحص بسبب خوفهم من مرض السرطان، والذين أُخبروا بأنهم قد يصابون بالمرض ليكتشفوا عكس ذلك، وينتهي بهم الأمر قلقين من تطوره.

ويردف روبيك: «تلك الأضرار يسببها مجرد الخوف المفرط من السرطان. خوفنا المفرط من هذا المرض المروع في كثير من الأحيان يفرض أيضًا تكاليف باهظة على المجتمع؛ حيث يهدر العلاج المكثف غير اللازم مئات المليارات من الدولارات على الرعاية الصحية غير الضرورية. فنحن ننفق مئات المليارات على جميع أنواع المنتجات والخدمات التي تعد بالحماية من المواد المسببة للسرطان البيئية (مثل شراء الأغذية العضوية الخالية من المبيدات الحشرية باهظة الثمن على الرغم من عدم وجود أبحاث موثوقة تفيد بأن تلك الأغذية تقلل من احتمالية الإصابة بالسرطان)».

تحديث العلاقة العاطفية مع «إمبراطور الأمراض»

يقدر الخبراء أن ثلثي جميع أنواع السرطان هي ببساطة أمراض شيخوخة تسببها طفرات تحدث بشكل طبيعي، وليس بسبب التعرض لمواد خارجية (تحدث 75٪ من جميع أنواع السرطان لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عامًا)، ولكن الخوف المفرط من السرطان جعلنا نهاب جميع الأشياء «الخارجية»، ونفترض بسهولة خطورة المنتجات والتقنيات الجديدة.

أصبحنا – بسبب هذا الخوف – نشن حملات مناهضة لبناء أبراج الهواتف المحمولة، وخطوط الطاقة عالية التردد، وبالطبع الطاقة النووية (الإشعاع)، التي يمكن أن تساعدنا في مواجهة خطر التغير المناخي الخطير، وتطول القائمة.
وتابع روبيك: «لا يوجد شك في أن مرض السرطان غالبًا ما يكون كارثة فظيعة. عانى معظمنا أو أحد أفراد عائلتنا أو أحد أصدقائنا من قسوته المباشرة. ولا يوجد شك أيضًا في أن الخوف من السرطان عميق وحقيقي، وأن خيار عدم الخوف من السرطان، في سياق حياة الفرد الخاصة، قيد يكون مناسبًا له، وليس مناسبًا لي».

واختتم مقاله قائلًا: «ولكن كمجتمع، نحن بحاجة ماسة إلى تحديث علاقتنا العاطفية مع إمبراطور جميع الأمراض. إن خوفنا الشامل من أي شيء مرتبط بالسرطان، وإيماننا الأعمى بأن المزيد من الفحوصات جيدة دائمًا، والمعتقدات البالية المتجذرة في ما اعتدنا معرفته عن السرطان، تلحق بنا الأذى الشديد في كثير من الحالات أكثر من المرض نفسه. وبينما نكافح من أجل إيجاد علاج لجميع أنواع السرطان، يجب علينا أيضًا العمل على التعرف على مرض «الكانسرفوبيا»، فكليهما خطير».